index
ليلة شتوية
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
ليلة شتوية
كانت ليلة الخميس الفائت ليلة شتوية
بامتياز..الرمّانة تذكّرت عادتها القديمة ورجعت تحكّ بشباك غرفتي الغربي وكأنها
تستأذنني بالدخول، مزراب الجيران المكون من ماسورة و تنكة زيت قلي فتح شهيته
للجريان من جديد، الهواء العنيد الذي تسلل من بين شقوق شباكي الخشبي العتيق وشوشني
في فراشي،حتى باب الدرج الحديديّ كان يهتزّ ويصفّق كلما أعجبته رقصة
للريح.
تركت كل ما بين يدي في تلك الليلة وقرّرت الاستمتاع بليلة من ليالي
زمان ..طويت طرف الصفحة 76 من كتاب اوراق ذابلة للعالمي ماركيز، أطفأت النيون
العادي، وأشعلت ضوء اللمبة الأصفر، فتّشت عن شريط لأم كلثوم حيّرت قلبي معاك من بين
أشرطة المراهقة القديمة ثم ضبطت صوتها على مقاس صوت الشتاء.. ورحت أراقب سلك تلفون
معلق بين حائطين،وكيس بلاستيكي اشبع بالماء ويتدلّى من معرّش عنب قريب،وشجرة لوز
تقطر مطراً صافياً من أغصانها كعاشقة وفيّة، تمنّيت لو بإمكاني استضافة كل هذه
الأشياء في غرفتي المكتظّة، لو بإمكاني أن اخبىء شجرة اللوز في فراشي، امشّط
اغصانها بأصابعي وأغني لها ضحك اللوز كبر اللوز ، فكم يعزّ عليّ أن تقف شجرة بمنتهى
الرومانسية في عزّ البرد وحيدة..
في الشتاء أحبّذ استخدام اللمبة العادية
لأن ضوءها شتوي بطبيعته وله في الذاكرة مساحة ذهبية .. كلما تحرّكت في ارجاء الغرفة
سبقني ظل جسدي المضخّم كغوريلا وطاف على الحائط،على الستارة، على خزانة الملابس،
على المكتبة الصغيرة،ثم استقرّ قرب صوبة الفوجيكا التي تبدو بفعل الضوء الخافت بحجم
مفاعل نووي..يمر صفير الريح من شباكي ثانية،تتحرك الستارة النائمة بفعله ..أدلك
ذراعيّ براحة يدي خوفاً واستمتاعاً..أنظر الى الشارع الفارغ نظرة أخيرة من نصف
نافذتي ثم آوي الى فراشي..كطفل مرعوب..
أقرأ في السقف،تشاكيل الدهان المقشور
، وأقرأ ظلال الأشياء :الشماعة، المعطف الأحدب،و حقيبة السفر المهملة.. ارخي رأسي
فوق الوسادة كزهرة برية..وأترك نحلات التخيّل تطير خارجاً في العتمة والمطر ثم تعود
اليه برحيق الدفء وعسل المشهد..أغمض عيني مستسلماً لسمفونية سقوط المطر على بيت
الدرج حيث يصدر صوتاً مضخّماً وحزيناً، لا يجاريه في الحزن سوى صوت قطة تموء خارجاً
وهي تبحث عن أحد صغارها التائهين..أو لوح زينكو مخلخل لا زال يستجيب لكل هبة ريح،
فيحدث شهيقاً معدنياً مخيفاً..
أيها الشتاء الجميل لا
ترحل..
بامتياز..الرمّانة تذكّرت عادتها القديمة ورجعت تحكّ بشباك غرفتي الغربي وكأنها
تستأذنني بالدخول، مزراب الجيران المكون من ماسورة و تنكة زيت قلي فتح شهيته
للجريان من جديد، الهواء العنيد الذي تسلل من بين شقوق شباكي الخشبي العتيق وشوشني
في فراشي،حتى باب الدرج الحديديّ كان يهتزّ ويصفّق كلما أعجبته رقصة
للريح.
تركت كل ما بين يدي في تلك الليلة وقرّرت الاستمتاع بليلة من ليالي
زمان ..طويت طرف الصفحة 76 من كتاب اوراق ذابلة للعالمي ماركيز، أطفأت النيون
العادي، وأشعلت ضوء اللمبة الأصفر، فتّشت عن شريط لأم كلثوم حيّرت قلبي معاك من بين
أشرطة المراهقة القديمة ثم ضبطت صوتها على مقاس صوت الشتاء.. ورحت أراقب سلك تلفون
معلق بين حائطين،وكيس بلاستيكي اشبع بالماء ويتدلّى من معرّش عنب قريب،وشجرة لوز
تقطر مطراً صافياً من أغصانها كعاشقة وفيّة، تمنّيت لو بإمكاني استضافة كل هذه
الأشياء في غرفتي المكتظّة، لو بإمكاني أن اخبىء شجرة اللوز في فراشي، امشّط
اغصانها بأصابعي وأغني لها ضحك اللوز كبر اللوز ، فكم يعزّ عليّ أن تقف شجرة بمنتهى
الرومانسية في عزّ البرد وحيدة..
في الشتاء أحبّذ استخدام اللمبة العادية
لأن ضوءها شتوي بطبيعته وله في الذاكرة مساحة ذهبية .. كلما تحرّكت في ارجاء الغرفة
سبقني ظل جسدي المضخّم كغوريلا وطاف على الحائط،على الستارة، على خزانة الملابس،
على المكتبة الصغيرة،ثم استقرّ قرب صوبة الفوجيكا التي تبدو بفعل الضوء الخافت بحجم
مفاعل نووي..يمر صفير الريح من شباكي ثانية،تتحرك الستارة النائمة بفعله ..أدلك
ذراعيّ براحة يدي خوفاً واستمتاعاً..أنظر الى الشارع الفارغ نظرة أخيرة من نصف
نافذتي ثم آوي الى فراشي..كطفل مرعوب..
أقرأ في السقف،تشاكيل الدهان المقشور
، وأقرأ ظلال الأشياء :الشماعة، المعطف الأحدب،و حقيبة السفر المهملة.. ارخي رأسي
فوق الوسادة كزهرة برية..وأترك نحلات التخيّل تطير خارجاً في العتمة والمطر ثم تعود
اليه برحيق الدفء وعسل المشهد..أغمض عيني مستسلماً لسمفونية سقوط المطر على بيت
الدرج حيث يصدر صوتاً مضخّماً وحزيناً، لا يجاريه في الحزن سوى صوت قطة تموء خارجاً
وهي تبحث عن أحد صغارها التائهين..أو لوح زينكو مخلخل لا زال يستجيب لكل هبة ريح،
فيحدث شهيقاً معدنياً مخيفاً..
أيها الشتاء الجميل لا
ترحل..
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى